رغم أن الديانة البوذية هي الأولى في تايلاند, والدين الإسلامي هو الديانة الثانية, فالمسلمون في تايلاند يشكلون ثلث المجتمع التايلاندي، ولكن أي مواطن تايلاندي من أية ديانة أخرى يشعر في شهر رمضان، بأن عدد المسلمين يتضاعف كل يوم، بسبب مظاهر الاحتفال الأخَّاذة بهذا الشهر، فمع غرابة صفة الصيام وخصوصيات شهر رمضان على المجتمع البوذي فإن ملامح هذا الشهر باتت شهيرة عند غير المسلمين وغيرهم على حد سواء، حتى إن الكثيرين من البوذيين باتوا يستطيعون النطق بكلمة رمضان مع صعوبتها على لسانهم.
عادات خاصة
عندما يأتي رمضان يعود المسافرون والعاملون خارج تايلاند, وعادة يقضي الطلاب أيضًا شهر رمضان مع أسرهم, أو أيامًا منه, ولذلك يعد هذا الشهر بمثابة فرصة مناسبة لجمع شمل الأسرة، والاشتراك معا في تناول طعام الإفطار، وإحياء تلك الليالي بما تيسر من الطاعات والعبادات. وفى ليله الرؤية تضاء جميع مساجد تايلاند بالأنوار وتوضع عليها مختلف الزينات الجميلة، ويبلغ عدد المساجد في هذه الدولة 1830 مسجداً, أما اليوم الأول من شهر رمضان فلا بد أن تذبح كل أسرة تايلاندية مسلمة ذبيحة احتفالاً بشهر رمضان, حتى إن الأسر الفقيرة تكتفي بذبح الطيور. ومن العادات الشائعة عند مسلمي تايلاند أنه إذا حان وقت الإفطار تُقرع الطبول الكبيرة وتسمى هذه الظاهرة بـ(البلال) نسبة إلى الصحابي الجليل بلال بن رباح, مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موائد الرحمن
تعتبر موائد الرحمن هي سمة المجتمع المسلم في تايلاند، فلا يوجد مسلم إلا ويقيم مائدة إفطار يومية أمام المسجد يقبل عليها أهل الحي من الرجال، ومن حل عليهم ضيف من أبناء السبيل. ومائدة الإفطار هناك تنقسم إلى قسمين, حيث توجد هناك موائد إفطار جماعية خاصة بالنساء, وأخرى خاصة بالرجال, حيث تتجمع النساء أمام أحد المنازل ويتناولن الإفطار جماعة، وكذلك يتجمع الرجال في مكان آخر على موائد إفطار جماعية، ويحظر على الرجل أن يأكل من الطعام الذي طهته زوجته, وإنما يأكله شخص آخر كمظهر للحب والعشرة، فلا يأكل أحد من طعام بيته وإنما من طعام مسلم آخر, وهو شيء مستغرب في تايلاند, أما الشيء الأكثر غرابه فهو أن كل أسرة تصنع على الإفطار صنفا واحدا من الطعام وبكميات كبيرة, ويوزع هذا الصنف على الجيران والأقارب القاطنين في الحي، بحيث يتم رد الطبق بصنف صنعه البيت الآخر، وهكذا حتى يتجمع في المائدة ربما أكثر من عشرة أصناف من عشرة بيوت تعاونت على صنع تلك الأطعمة من دون أن يجهد البيت الواحد في صنع كل تلك الأصناف بمفرده، وهذا السلوك أدهش الكثير من المسلمين الذين زاروا
تايلاند, وتمنوا أن تطبق هذه الطريقة العجيبة والمريحة في بلدانهم التي قدموا منها.
إعمار المساجد
يحرص المسلمون في تايلاند في هذا الشهر الكريم على تعلم القرآن الكريم والاستزادة من تلاوته, حيث إن شهر رمضان هو شهر القرآن؛ ولأنه شهر القرآن يتم عقد مسابقات في حفظ القرآن تبدأ من شهر شعبان, وعند بداية رمضان تعلن أسماء الفائزين, فيقوم المسلمون بحمل الذين يحفظون القرآن بأكمله على الأكتاف في مظاهرات حب وتقدير وفرحة، ويُطوفون بهم في الشوارع كقدوة لبقية المسلمين, ولتشجيع الشباب على حفظ القرآن, ويسمح لهم بتلاوة القرآن في المساجد.
وفي هذا الشهر أيضاً تشهد حركة افتتاح المساجد في تايلاند ازدهارا كبيرا, الأمر الذي يشعر المواطن التايلاندي بأن عدد المسلمين يتضاعف كل يوم, من مظاهر الاحتفال بهذا الشهر, ففي كل مدينة وكل قرية لا بد أن يفتتح مسجد جديد في شهر رمضان, حتى لو كان المسجد صغيرًا ومتواضع البناء، وتسعى كل قرية ومدينة طوال العام إلى جمع الأموال حسب إمكانات كل أسرة لبناء المسجد الجديد الذي يفتتح في شهر رمضان، ويحرص معظم الأشخاص على العمل بأنفسهم في بناء هذه المساجد أيًّا كان نوع العمل، وتأتي هذه الحركة المعمارية في إطار بناء المساجد في ظل ضغوط وتضييق على المسلمين من أصحاب الديانة البوذية الذين يسعون جاهدين لإطفاء نور الإسلام من قلوب المسلمين.
المشكلات
يواجه المسلمون في منطقة فطاني في جنوب تايلاند واحدةً من أعقد وأصعب مُشكلات الأقليات حول العالم، مع كونها الأقلية الوحيدة تقريبا في العالم الآن التي تتعرض إلى الفتنة في دينها، ومحاولات عديدة لمسخ هويتها, إضافة إلى أن الشرطة التايلاندية تمارس العنف دائما مع المسلمين هناك, وتلقي القبض على بعضهم, والتهمة جاهزة, وهي الإرهاب وهي النقطة الوحيدة التي يتفق فيها النظام التايلانديِ مع الولايات المتحدة, فالمسلمون كلهم إرهابيون, ويرى الباحثون أن أحوال المسلمين ساءت هناك لسببين:
الأول: تحويل الحكومة التايلاندية مناطق الجنوب إلى مناطق جذب سياحي, وهو ما أدى إلى بناء أعداد كبيرة من الملاهي الليلية, ودور اللهو والمتعة الحرام.
الثاني: الحرب الأميركية على ما يسمى بالإرهاب، والتي فعلت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001, حيث شاركت الحكومة التايلاندية في هذه الحرب، وطاردت الكثير من العناصر الإسلامية في جنوب البلاد، بزعم انتمائهم لما يعرف بالجماعة الإسلامية في جنوب شرقي آسيا، واستغلت هذا الموقف، وبزعم مكافحة الإرهاب قامت بممارسة أسوأ ألوان التعسف تجاه مسلمي الجنوب، حيث وصل الأمر إلى هدم المساجد على رؤوس روادها.
وكانت أسوأ هذه الحوادث تلك التي جرت في أبريل من عام 2004؛ حيث اندلعت مواجهات بين قوات الأمن التايلاندية ومسلمين ينتمون إلى حركة تحرير فطاني المتحدة, قتل فيها 108 من الشباب المسلمين، من بينهم 30 تم قصفهم بالمدفعية بعد احتمائهم بأحد المساجد